الأحد، 19 أبريل 2020
الفلسفات التربوية القديمة
تمهيد:
اعتقد البعض أن ظهور الفلسفة، من أهم التطورات في تاريخ البشرية. فهي عملية دراسة القضايا الكبيرة في عالمنا، والتي تهتم بمستقبل الانسان في هذا الكون واستخدامه لقدراته العقلية في شؤون الحياة والعالم الذي يعيش فيه. والفلسفة كانت ومازالت مظهرا واعترافا بالنضوج والكمال والابداع، في قدرة العقل البشري وفي عملية التخطيط ورسم (الحضارة الإنسانية). اهتم الناس منذ أقدم العصور بمناقشة مختلف الأمور التي تهمهم في حياتهم كالحرب والسلام والاقتصاد والسياسة والدين وغيرها، وتباينت مستويات تفكيرهم في هذه الأمور من حيث درجة البساطة والتعقيد والاعتماد على الأسطورة أو الدين أو العقل. ولم تكن التربية استثناء من هذه القاعدة بل فكر الناس في كيفية تربية أبنائهم واعدادهم للعمل والحياة في مجتمعاتهم على اختلاف ظروفهم، وكانت فلسفة التربية خطة للبلوغ إلى هذه الغاية أي إعداد الناشئة لشغل أماكنهم في نظامهم الاجتماعي، أو للعمل والحياة في ظل الإطار الاجتماعي والثقافي السائد.
الفلسفة:
مصطلح يوناني الأصل مكون من كلمتين (philo) بمعنى الحب و (Sophy) بمعنى الحكمة، فالفلسفة اذن هي حب الحكمة، وبالرغم من جاذبية هذا المفهوم للوهلة الأولى إلى أن الفلاسفة والمفكرين قد اختلفوا وتناقضوا في ماذا تعني محبة الحكمة؟ ومازال التناقض والاختلاف قائما منذ ان نشأ هذا المصطلح إلى يومنا هذا، فالبعض يرى بأنها علم دراسة السلوك الإنساني في علاقته بالكون من حوله وبعضهم يرى بأنها مفهوم جامع بما فيه من جماد وحيوان ونبات اما البعض الاخر فيرى بأنها معظم الأسئلة الأساسية التي يمكن ان يسألها العقل البشري بشرط ان تؤثر الإجابة عن هذه الأسئلة في أفكارنا.
وبصفة عامة فالسفة هي: أسلوب منهجي في التفكير في كل ما هو موجود، يسعى إلى معرفة الأشياء، حية وغير حية، معتمدا في ذلك التحليل والتركيب والنقد والتأمل.
ويفهم أن الفلسفة ليست مجموعة من الحقائق والمعلومات المجردة فقط وإنما هي نشاط ذهني منظم، يعمل بالتأمل والتحليل والتوضيح لصالح سعادة الانسان. كما أن الفلسفة ليست نشاط أو تفكير يصعب فهمه، بل انها الطريقة والوسيلة التي تعمل على تنظيم التفكير للإجابة على تساؤلات المطروحة والمستجدة عند الانسان، وهي أيضا طريقة تدريب على مقارنة الفرد للأفكار الموجودة مع ما هو جديد.
*ظهرت تعريفات عديدة للفلسفة خلال التاريخ الطويل نوجزها بما يلي:
التعريفات:
(افلاطون 340 – 427 ق.م) الفلسفة: (جهد عقلي يحاول النسان من خلالها إدراك المثل وهذه المثل المجردة، تتجاوز الزمان والمكان والنسبية، واحد لا تنوع فيه او اختلاف كامل لا يشوبه نقص).
(ارسطو 322 – 384 ق.م) الفلسفة: (البحث عن الموجودات بما هو موجود) وإنها الحكمة لأنها تبحث في العلل والمبادئ الأولى.
(الكندي 873 - 796 م) الفلسفة: (انها صناعة الصناعات وحكمة الحكم)، وهي (معرفة الانسان نفسه).
(الفارابي 950 - 873 م) الفلسفة: (انها العلم بالموجودات بما هو موجود (وهذا تعريف أرسطو) وفروعها حكمة إلهية وطبيعية ومنطقية).
(الخوارزمي 993 – 928م) الفلسفة: (معنى الفلسفة، علم حقائق للأشياء والعمل بها هو أصلح).
ومما سبق، يمكن الأخذ بالرأي القائل ان (الفلسفة) ماهي إلا: (منهج ونشاط عقلي ومحاولات مستمرة للبحث والتفسير لكسب الحكمة والمعرفة، من خلال القدرات العقلية والحسية لكشف الاسرار المتصلة بحقائق الوجود والكون والحياة والطبعة وكذلك عالم الغيب والشهادة وما وراء الطبيعة).
الفلسفات التربوية القديمة:
تعتبر الفلسفتان المثالية والواقعية من أقدم الفلسفات التي عرفت على امتداد التاريخ، وهما المصدر الأساسي الذي اعتمدت عليه الفلسفات اللاحقة مثل البرجماتية والوجودية والوضعية المنطقية. في استمرار قضاياها ومشكلاتها واتجاهاتها وفيما يلي ملامح هاتين الفلسفتين ومضامينها التربوية:
الفلسفة المثالية (IDEALISM))
الفلسفة المثالية هي أول تيار فكري يعود بأصولها الى المفكر اليوناني (أفلاطون) الذي يعد الأب الروحي لهذه الفلسفة في القرن الخامس ق. م.، وكذلك إلى الفيلسوف اليوناني (سقراط). فمبادئها وافكارها تعود الى هذين الفيلسوفين بصورتها القديمة.
كما يمكن إعادة المثالية الى كلمة IDEAL، ومعناها: مثل أعلى، مثالي وأعلى درجات الكمال في السلوك الخلقي والاجتماعي.
والمثالية تعني المذهب فلسفي ينكر ذاتية الأشياء المتميزة ولا يقبل منها الا الفكر.
المعنى اللغوي لها: "هي الخير والفضيلة والسمو نحو المثل العليا".
طبيعة الانسان: فهو يتكون من عقل ومادة وأن أسمي ما في الانسان العقل والروح: وأن الكون ما هو الا صور ذهنية ونشاط عقلي، لذلك فهو مصدر المعارف. ولان الحقيقة مطلقة لا تتغير ولا تتبدل. فهي ليست من صنع الانسان، ويمكن الوصول عليها عن طريق التفكير والعقل والحدس والالهام.
* الأفكار العامة التي تؤمن بها المثالية:
١- المثالية والقيم: تؤمن المثالية بوجود القيم الروحية والمثل، وتتمثل هذه القيم في الاخلاق والخير والجمال والحق.
٢ـ المثالية والمجتمع: ترى المثالية أن المجتمع يتمثل من طبقتين هما طبقة الحكام والقادة والفلاسفة، وطبقة العمال والمزارعين والصناع، وتعمل كل طبقة في مجالها.
٣ـ المثالية والعالم: تنظر المثالية إلى العالم بازدواجية، فهي تؤمن بوجود عالمين أ- الروحي (عالم الأفكار) ب- المادي (عالم الخبرات) هو عالمنا الأرضي.
٤ـ المثالية والحقيقة: تؤمن المثالية بوجود الحقيقة النهائية في عالم اخر (عالم الأفكار)، فهو عالم الحقيقة المطلقة.
٥ـ المثالية والتربية: يرى المثاليون أن على الدولة السيطرة التامة على العملية التربوية، مما عكس المبادئ العامة للفلسفة المثالية في المجال والنظم التربوي.
الانتقادات التي وجهة الى فلسفة التربية المثالية:
Ø إهمال الجوانب المهارية والأنشطة الإنسانية.
Ø جامدة وثابتة وغير مرنة.
Ø عدم مراعاة الفروق الفردية.
Ø التناقض بي الفكر والتطبيق.
Ø أعلت من شأن الروح وأهملت أمر الجسد.
Ø أما النقد الموجه إلى المنهج المثالي فهو منهج مصمم من أجل صقل العقل، وصفاء الروح، ونقل التراث الثقافي. وتقدم المواد الدراسية بصورة منطقية مرتبة لكنها لا تدرس على أساس من الفهم.
أفلاطون: 347 -427 م
فيلسوف يوناني، تتلمذ في فترة حياته على يد كل من أقراطيلوس وهرقليطس وسقراط وواقليدس وعلى يد الفلاسفة الفيثاغورسيين لذا كان تأثيرها الواضح لنظرياتهم الرياضية، في تطوير الفكر عنده وتغذيته.
كانت فلسفته تقوم على الورع الديني والتضحية، وكبت الشهوات والتخلص من ملذات الحياة ومتاعبها وتحمل الام الجسم، وأصبحت فيما بعد أساس للرهبنة المسيحية.
في كتاب "الجمهورية" وصف الفكرة التي شغلت تفكيره، وهي الفوضى التي تعم الدولة، وحلل أسبابها، فوجد أن السبب هو التدهور والتغير المحتوم الذي يداهم الحكومات بفعل الشهوات والرغبة في الترف.
قسم أفلاطون المجتمعات إلى ثلاث طبقات (طبقة العمال والفلاحين والصناع، وطبقة الجند والمحاربين، وطبقة الفلاسفة أو الحكام).
ركز أفلاطون على تنمية القعل والجسم من خلال دراسة الأخلاق والرياضة والفن وقدم الموسيقى على الرياضة فهي تهذيب للنفس، وعلى النفس أن تكون فاضله فهي التي تهب الكمال للجسد.
في كتاب "القوانين" تخلى أفلاطون عن اراءه حول فكرة المثل العليا والروحية وهجرها، وكذلك تخلى عن أهمية علم الجدل كوسيلة لإعداد الفيلسوف.
لم يكن لأفلاطون طريقة تدريس ثابتة. فكان له رأي بالتربية على أنه نظام عليه أن يقود الطفل نحو ما يستحق من الكمال عن طريق اللعب، وإعطاءه الحرية الكاملة، كما طالب بالابتعاد عن استخدام العقاب والقسوة بل أكد على المعاملة اللينة بكل يسر وسهولة. كما أكد على أن يتاح للصغار مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم.
كما تخلى أفلاطون في كتاب "القوانين" عن أفكاره التي نادى بها بأن الحكم للفلاسفة وادارة شؤون الدولة، وطالب بحكومة ملكية ديمقراطية، يشارك الشعب في إدارة الدولة. كما تخلى عن فكرة العدالة الاجتماعية التي نادى بها في كتاب "الجمهورية"، وأنها لن تتحقق الا من خلال "القوانين" التي يشرعها العباقرة.
هذا وقد اهتم أفلاطون بالتربية الفاضلة، التي تجعل من الطفل أن يسعى بجد وشغف، فالذين يتعلمون بطريقة صحيحة، لابد وأن يصبحوا صالحين ويحتلوا المكانة الجديدة في العالم. ودائما عمل الإصلاح والتربية من أجل إيجاد الانسان الصالح، فتلك مطالب الإنسانية منذ فجر التاريخ.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
عرض مختصر مفيد لأشهر الفسفات اليونانية القديمة. طرح جيد أستاذة نوال
ردحذف